وَ جَاءَ الْقَوْمُ زُهَاءَ أَلْفِ فَارِسٍ مَعَ الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ التَّمِيمِيِّ حَتَّى وَقَفَ هُوَ وَ خَيْلُهُ مُقَابِلَ الْحُسَيْنِ ع فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَ الْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ مُعْتَمُّونَ مُتَقَلِّدُو أَسْيَافِهِمْ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع لِفِتْيَانِهِ اسْقُوا الْقَوْمَ وَ أَرْوُوهُمْ مِنَ الْمَاءِ وَ رَشِّفُوا الْخَيْلَ تَرْشِيفاً فَفَعَلُوا وَ أَقْبَلُوا يَمْلَئُونَ الْقِصَاعَ وَ الطِّسَاسَ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ يُدْنُونَهَا مِنَ الْفَرَسِ فَإِذَا عَبَّ فِيهَا ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً عُزِلَتْ عَنْهُ وَ سَقَوْا آخَرَ حَتَّى سَقَوْهَا كُلَّهَا.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الطَّعَّانِ الْمُحَارِبِيُّ كُنْتُ مَعَ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ فَجِئْتُ فِي آخِرِ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ ع مَا بِي وَ بِفَرَسِي مِنَ الْعَطَشِ قَالَ أَنِخِ الرَّاوِيَةَ وَ الرَّاوِيَةُ عِنْدِي السِّقَاءُ ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَنِخِ الْجَمَلَ فَأَنَخْتُهُ فَقَالَ اشْرَبْ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا شَرِبْتُ سَالَ الْمَاءُ مِنَ السِّقَاءِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع اخْنِثِ السِّقَاءَ أَيِ اعْطِفْهُ فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَفْعَلُ فَقَامَ فَخَنَثَهُ فَشَرِبْتُ وَ سَقَيْتُ فَرَسِي.
وَ كَانَ مَجِيءُ الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ وَ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَعَثَ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ الْقَادِسِيَّةَ وَ تَقَدَّمَ الْحُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَلْفِ فَارِسٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِمْ حُسَيْناً فَلَمْ يَزَلِ الْحُرُّ مُوَافِقاً لِلْحُسَيْنِ ع حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ.
وَ أَمَرَ الْحُسَيْنُ ع الْحَجَّاجَ بْنَ مَسْرُورٍ أَنْ يُؤَذِّنَ.
فَلَمَّا حَضَرَتِ الْإِقَامَةُ خَرَجَ الْحُسَيْنُ ع فِي إِزَارٍ وَ رِدَاءٍ وَ نَعْلَيْنِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ آتِكُمْ حَتَّى أَتَتْنِي كُتُبُكُمْ وَ قَدِمَتْ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ أَنِ اقْدَمْ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ لَيْسَ لَنَا إِمَامٌ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَجْمَعَنَا بِكَ عَلَى الْهُدَى وَ الْحَقِّ فَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ جِئْتُكُمْ فَأَعْطُونِي مَا أَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ مِنْ عُهُودِكُمْ وَ مَوَاثِيقِكُمْ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ كُنْتُمْ لِمَقْدَمِي كَارِهِينَ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي جِئْتُ مِنْهُ إِلَيْكُمْ
فَسَكَتُوا عَنْهُ وَ لَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِكَلِمَةٍ.
فَقَالَ لِلْمُؤَذِّنِ أَقِمْ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ.
فَقَالَ لِلْحُرِّ أَ تُرِيدُ أَنْ تُصَلِّيَ بِأَصْحَابِكَ قَالَ لَا بَلْ تُصَلِّي أَنْتَ وَ نُصَلِّي بِصَلَاتِكَ فَصَلَّى بِهِمُ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع ثُمَّ دَخَلَ فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُهُ.
وَ انْصَرَفَ الْحُرُّ إِلَى مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَدَخَلَ خَيْمَةً قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ وَ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَ عَادَ الْبَاقُونَ إِلَى صَفِّهِمُ الَّذِي كَانُوا فِيهِ فَأَعَادُوهُ ثُمَّ أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِعِنَانِ دَابَّتِهِ وَ جَلَسَ فِي ظِلِّهَا.
فَلَمَّا كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ أَمَرَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ ع أَنْ يَتَهَيَّئُوا لِلرَّحِيلِ فَفَعَلُوا
ثُمَّ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى بِالْعَصْرِ وَ أَقَامَ فَاسْتَقَامَ الْحُسَيْنُ ع فَصَلَّى بِالْقَوْمِ ثُمَّ سَلَّمَ.
وَ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَ أَثْنَى عَلَيْهِثُمَّ قَالَ:
أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّكُمْ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ وَ تَعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ يَكُنْ أَرْضَى لِلَّهِ عَنْكُمْ وَ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَ أَوْلَى بِوَلَايَةِ هَذَا الْأَمْرِ عَلَيْكُمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُدَّعِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ وَ السَّائِرِينَ فِيكُمْ بِالْجَوْرِ وَ الْعُدْوَانِ وَ إِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا كَرَاهِيَةً لَنَا وَ الْجَهْلَ بِحَقِّنَا وَ كَانَ رَأْيُكُمُ الْآنَ غَيْرَ مَا أَتَتْنِي بِهِ كُتُبُكُمْ وَ قَدِمَتْ بِهِ عَلَيَّ رُسُلُكُمْ انْصَرَفْتُ عَنْكُمْ.
فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ أَنَا وَ اللَّهِ مَا أَدْرِي مَا هَذِهِ الْكُتُبُ وَ الرُّسُلُ الَّتِي تَذْكُرُ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ يَا عُقْبَةَ بْنَ سِمْعَانَ أَخْرِجِ الْخُرْجَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا كُتُبُهُمْ إِلَيَّ فَأَخْرَجَ خُرْجَيْنِ مَمْلُوءَيْنِ صُحُفاً فَنُثِرَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ إِنَّا لَسْنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَتَبُوا إِلَيْكَ وَ قَدْ أُمِرْنَا إِذَا نَحْنُ لَقِينَاكَ أَلَّا نُفَارِقَكَ حَتَّى نُقْدِمَكَ الْكُوفَةَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع الْمَوْتُ أَدْنَى إِلَيْكَ مِنْ ذَلِكَ
ثُمَّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَارْكَبُوا فَرَكِبُوا وَ انْتَظَرَ حَتَّى رَكِبَ نِسَاؤُهُمْ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ انْصَرِفُوا فَلَمَّا ذَهَبُوا لِيَنْصَرِفُوا حَالَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الِانْصِرَافِ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع لِلْحُرِّ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ مَا تُرِيدُ؟
فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ أَمَا لَوْ غَيْرُكَ مِنَ الْعَرَبِ يَقُولُهَا لِي وَ هُوَ عَلَى مِثْلِ الْحَالِ الَّتِي أَنْتَ عَلَيْهَا مَا تَرَكْتُ ذِكْرَ أُمِّهِ بِالثُّكْلِ كَائِناً مَنْ كَانَ وَ لَكِنْ وَ اللَّهِ مَا لِي إِلَى ذِكْرِ أُمِّكَ مِنْ سَبِيلٍ إِلَّا بِأَحْسَنِ مَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع فَمَا تُرِيدُ قَالَ أُرِيدُ أَنْ أَنْطَلِقَ بِكَ إِلَى الْأَمِيرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ
قَالَ إِذاً وَ اللَّهِ لَا أَتَّبِعُكَ
قَالَ إِذاً وَ اللَّهِ لَا أَدَعُكَ
فَتَرَادَّا الْقَوْلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
فَلَمَّا كَثُرَ الْكَلَامُ بَيْنَهُمَا قَالَ لَهُ الْحُرُّ إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِكَ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَلَّا أُفَارِقَكَ حَتَّى أُقْدِمَكَ الْكُوفَةَ فَإِذَا أَبَيْتَ فَخُذْ طَرِيقاً لَا يُدْخِلُكَ الْكُوفَةَ وَ لَا يَرُدُّكَ إِلَى الْمَدِينَةِ تَكُونُ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ نَصَفاً حَتَّى أَكْتُبَ إِلَى الْأَمِيرِ وَ تَكْتُبَ إِلَى يَزِيدَ أَوْ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ فَلَعَلَّ اللَّهَ إِلَى ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِأَمْرٍ يَرْزُقُنِي فِيهِ الْعَافِيَةَ مِنْ أَنْ أَبْتَلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِكَ فَخُذْ هَاهُنَا فَتَيَاسَرَ عَنْ طَرِيقِ الْعُذَيْبِ وَ الْقَادِسِيَّةِ.
فَسَارَ الْحُسَيْنُ ع وَ سَارَ الْحُرُّ فِي أَصْحَابِهِ يُسَايِرُهُ وَ هُوَ يَقُولُ لَهُ يَا حُسَيْنُ إِنِّي أُذَكِّرُكَ اللَّهَ فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي أَشْهَدُ لَئِنْ قَاتَلْتَ لَتُقْتَلَنَّ.
فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ ع أَ فَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي وَ هَلْ يَعْدُو بِكُمُ الْخَطْبُ أَنْ تَقْتُلُونِي وَ سَأَقُولُ كَمَا قَالَ أَخُو الْأَوْسِ لِابْنِ عَمِّهِ وَ هُوَ يُرِيدُ نُصْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ ص فَخَوَّفَهُ ابْنُ عَمِّهِ وَ قَالَ أَيْنَ تَذْهَبُ فَإِنَّكَ مَقْتُولٌ فَقَالَ-
سَأَمْضِي فَمَا بِالْمَوْتِ عَارٌ عَلَى الْفَتَى إِذَا مَا نَوَى حَقّاً وَ جَاهَدَ مُسْلِماً
وَ آسَى الرِّجَالَ الصَّالِحِينَ بِنَفْسِهِ وَ فَارَقَ مَثْبُوراً وَ بَاعَدَ مُجْرِماً
فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أَنْدَمْ وَ إِنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ كَفَى بِكَ ذُلًّا أَنْ تَعِيشَ وَ تُرْغَمَا.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْحُرُّ تَنَحَّى عَنْهُ فَكَانَ يَسِيرُ بِأَصْحَابِهِ نَاحِيَةً وَ الْحُسَيْنُ ع فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى. (الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد/ج2/ص78)
وَ جَاءَ الْقَوْمُ زُهَاءَ أَلْفِ فَارِسٍ مَعَ الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ التَّمِيمِيِّ حَتَّى وَقَفَ هُوَ وَ خَيْلُهُ مُقَابِلَ الْحُسَيْنِ ع فِي حَرِّ الظَّهِيرَةِ وَ الْحُسَيْنُ وَ أَصْحَابُهُ مُعْتَمُّونَ مُتَقَلِّدُو أَسْيَافِهِمْ.
فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع لِفِتْيَانِهِ اسْقُوا الْقَوْمَ وَ أَرْوُوهُمْ مِنَ الْمَاءِ وَ رَشِّفُوا الْخَيْلَ تَرْشِيفاً فَفَعَلُوا وَ أَقْبَلُوا يَمْلَئُونَ الْقِصَاعَ وَ الطِّسَاسَ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ يُدْنُونَهَا مِنَ الْفَرَسِ فَإِذَا عَبَّ فِيهَا ثَلَاثاً أَوْ أَرْبَعاً أَوْ خَمْساً عُزِلَتْ عَنْهُ وَ سَقَوْا آخَرَ حَتَّى سَقَوْهَا كُلَّهَا.
فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الطَّعَّانِ الْمُحَارِبِيُّ كُنْتُ مَعَ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ فَجِئْتُ فِي آخِرِ مَنْ جَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا رَأَى الْحُسَيْنُ ع مَا بِي وَ بِفَرَسِي مِنَ الْعَطَشِ قَالَ أَنِخِ الرَّاوِيَةَ وَ الرَّاوِيَةُ عِنْدِي السِّقَاءُ ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي أَنِخِ الْجَمَلَ فَأَنَخْتُهُ فَقَالَ اشْرَبْ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا شَرِبْتُ سَالَ الْمَاءُ مِنَ السِّقَاءِ فَقَالَ الْحُسَيْنُ ع اخْنِثِ السِّقَاءَ أَيِ اعْطِفْهُ فَلَمْ أَدْرِ كَيْفَ أَفْعَلُ فَقَامَ فَخَنَثَهُ فَشَرِبْتُ وَ سَقَيْتُ فَرَسِي.
وَ كَانَ مَجِيءُ الْحُرِّ بْنِ يَزِيدَ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ وَ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بَعَثَ الْحُصَيْنَ بْنَ نُمَيْرٍ وَ أَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ الْقَادِسِيَّةَ وَ تَقَدَّمَ الْحُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي أَلْفِ فَارِسٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِمْ حُسَيْناً فَلَمْ يَزَلِ الْحُرُّ مُوَافِقاً لِلْحُسَيْنِ ع حَتَّى...