تعمیة القرآن
فأثبت فيه الرموز و أعمى قلوبهم و أبصارهم لما عليهم في تركها و ترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه و جعل أهل الكتاب القيمين به و العالمين بظاهره و باطنه من شجرة: «أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها» أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت و جعل أعدائها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم و لو علم المنافقون [لعنهم الله] (لفهم) ما عليهم من ترك هذه الآية التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه و لكن الله تبارك و تعالى ماض حكمه بإيجاب الحجة على خلقه كما قال الله تعالى: «فلله الحجة البالغة» أغشي أبصارهم و جعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك فتركوه بحاله و حجبوا عن تأكيد المتلبس بإبطاله، فالسعداء ينتهون إليه و الأشقياء يعمون عنه: «و من لم يجعل الله له نورا فما له من نور» إن الله جل ذكره بسعة رحمته و رأفته بخلقه و علمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كتابه قسّم کلامه ثلاثة أقسام فجعل قسما منه يعرفه العالم و الجاهل و قسما لا يعرفه إلا من صفي ذهنه و لطف حسه و صح تمييزه ممن شرح الله صدره للإسلام و قسما لا يعرفه إلا الله و أمناؤه، و إنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على مقام رسول الله من علم الكتاب ما لم يجعل الله لهم و ليقودهم الاضطرار إلى الائتمار لمن ولاه أمرهم فاستكبروا عن طاعته تعززا و افتراء على الله عز رجل و اغترارا بكثرة من ظاهرهم و عاونهم و عاند الله جل اسمه و رسوله.